رسالة إلى السودانيين في أمريكا: في التنظيم والأهداف والتأثير -٤
تلخيص كتاب Ethnic Identity Groups And U.S. Foreign Policy
كنا في المقال السابق قد بدأنا بتلخيص الكتاب Ethnic Identity Groups And U.S. Foreign Policy ونكمل في هذه الحلقة التطرق لبقية فصول الكتاب.
٥. الفصل الخامس: حراك الصرب-الامريكيين وعمليات الضغط Lobbying: وثاقة صلة جاسينوفاك وكوسوفو بالحراك القاعدي المعاصر في الولايات المتحدة. الكاتبة: رايتشيل بول
الورقة هي دراسة موسعة لتنظيم ونشاط الشتات (Diaspora) الصربي في الولايات المتحدة أبان فترة الحروب اليغسلافية ة أو حروب البلقان في تسعينات القرن الماضي. لن يكون القاريء السوداني غريبا على أسماء مثل كوسوفو والبوسنة وغيرها من مناطق اضطهاد المسلمين (وإبادهم أحيانا) أثناء تلك الحروب. لكن نقول تلخيصا أن حروب البلقان في التسعينات حدثت كنتيجة لتفكك جمهوريات الاتحاد اليوغسلافي السابق وبالتالي حدوث صراعات قاسية ووحشية أحيانا بين الاثنيات المختلفة في البلقان: الصرب، الكروات، البوسنيين، الالبان، وغيرهم. وقد قاد الصراع في النهاية لتدخل حلف النيتو عسكريا لمنع اتساع الانتهاكات في منطقة كوسوفو، والتي كان يمارسها الصرب.
لكن ما يهمنا في هذه الدراسة الواسعة، هو التركيز على نشاط الصرب الامريكيين في الولايات المتحدة وتحديدا عبر منظمتهم الرئيسية مؤتمر الوحدة الصربي وكذلك تحالف المنظمات الصربية SerbNet (لم استطع أن أجدهم على الانترنت اللهم إلا في داخل وثائق صراع اللوبي الكرواتي معهم فيما يبدو) ونشاطهم الكثيف للضغط على الحكومة الامريكية في التسعينات من أجل التأثير على نوع تدخلها في البلقان. ورغم أن الورقة نفسها تقر في النهاية بأن هذا النشاط باء في المجمل بالفشل، وتدخل الناتو ضد صربيا، إلا أن الورقة توثق رغم ذلك لكثافة العمل الصربي في الولايات المتحدة وتحلل جزئية مهمة جدا فيه، تهمنا في سياق كتابة هذه السلسلة للسودانيين، لأنها تشير لأهمية التاريخ الوطني في تجويد حراك سودانيي الشتات أو الدياسبورا.
فتجد الورقة أن هنالك ثلاث عوامل رئيسية أدت لكثافة استجابة الصرب، ووحدتهم، في خلال فترة حرب البلقان في التسعينات:
١. أهمية التاريخ وتكرر إستدعاءه من قبل المنظمات الصربية في دفاعها عن صربيا أو كذلك في شحذها لتأييد الصرب الامريكيين وتحفيزهم على المشاركة في جهود الضغط على الحكومة الامريكية. فوجدت الباحثة أن أستدعاء مذابح جاسينوفاك والتي قامت فيها العناصر الكرواتية النازية في الحرب العالمية الثانية بإبادة الصرب واليهود والغجر في تلك المدينة في داخل معسكرات اعتقال وحشية، وكذلك أستدعاء التاريخ الصربي القديم ممثلا في معركة كوسوفو في عام ١٤٤٨م، وجدت الباحثة أن هذا الاستدعاء كان حلقة رئيسية في الخطاب الصربي. فمذابح جاسينوفاك كانت الرد على الاتهام القائم وقتها للصرب بصفتهم يقومون بأعمال أبادة تجاه بقية الاثنيات، فهي تظهرهم في صورة الضحية، وتضيف تعقيدا على تاريخ العنف في البلقان ربما غاب عن السياسي أو الرأي العام الامريكي. ومعركة كوسوفو في ١٤٤٨م وهي المعركة التي هزم فيها العثمانيون الصرب وبالتالي حكموا منطقة البلقان وأسلموا بعض أهلها. تشكل في المخيلة الصربية اللحظة التي تحولت فيها الدولة الصربية إلى حلم راسخ. فالقومية الصربية، كسعي للوقوف مجددا وبإستقلال عن العثمانيين هي من نتائج تلك الهزيمة التاريخية. وتاريخ الصرب بعد هذه المعركة هو تاريخ من السعي للحفاظ على الهوية الصربية، وأستعادة دولتهم القومية.
٢. العامل الديني. ينتمي الصرب كما هو معروف بأغلبيتهم للكنيسة الأورثوذكسية. ويمثل ذلك أحد أهم عوامل الهوية الصربية بل ونمط الحياة اليومي. بحيث يمكن مثلا فهم نمط استيطان الصرب للمدن الامريكية المعينة (مثل ملواكي في ولاية ويسكاونسن) عبر وجود الكنيسة الأوثوذكسية فيها (كنيسة سان سافا). وبالمثل مثلت الكنيسة بدورها عنصر أساسي في تسهيل تنظيم الصرب وجمع التبرعات وغيرها.
٣. عامل الحرب وانفجار العنف في البلقان. تجد الكاتبة (مثلما وثقت أوراق أخرى تطرقنا لها في هذه السلسلة) أن من أهم عوامل دفع الاثنيات للتنظيم هو الوضع الامني في بلدهم الام. فتجد أن الصرب والارمن والاسرائيليين والارتريين، وغيرهم يشتد إنتظامهم مع أشتداد العنف في مناطقهم. ويمكنك عبر جولة على الانترنت الان أن تلاحظ أن حجم نشاط اللوبي الصربي قد قل بصورة ملحوظة مع نهاية ازمة البلقان واستقرار بلدهم.
يمكننا كسودانيين الاستفادة من التفكير في هذه العوامل: فهم أهمية الثقافة والتاريخ لمجتمعات الشتات يعتبر حيويا، فبدون أيجاد وسيلة لايصال نقاط التاريخ الرئيسية السوداني (كمعركة كرري، باعتبارها مكافئ، في اطار المقارنة هذه، لمعركة كوسوفو ١٤٤٨م.) سيكون من الصعب لمجتمع الشتات السوداني الاستمرار في العمل المشترك بعد جيل أو جيلين من الهجرة. كذلك فإن الدين كعنصر تاريخي رئيسي في الثقافة هو رصيد بالغ الاهمية. ويمكننا أن نلاحظ أنه رغم بشاعتها وتمنينا لنهايتها، إلا أن العنف الحالي والحرب في السودان يجب أن تستغل كعنصر لتنظيم الشتات. وأقول في أطار مناقشة الثقافة والدين هذه بأن مشروع تنظيم السودانيين في الشتات يقوم على مؤسستين ثقافيتين: المدرسة السودانية التي من مهامها مأسسة الثقافة، والمسجد السوداني الصوفي.
٦.الفصل السادس: اللاتينيون وأمريكا اللاتينية: تطابق الأجندة؟ الكاتب: مايكل جونز-كوريا
ربما تكون هذه الورقة من أمتع فصول الكتاب. لأنها تدرس تنظيمات اللاتينيين من جهتين تهماننا جدا: أولا من ناحية الفروقات في أولويات الأجيال، وثانيا من ناحية العلاقة الاقتصادية بين الدول الام ودول المهجر.
وللورقة ثراء مصدره ثراء تجربة الهجرة اللاتينية للولايات المتحدة. فوجود اللاتينيين أو المكسيكيين في الاراضي الامريكية قديم بل ربما سابق لوجود المهاجرين البيض (كانت الولايات المتحدة قد ضمت كل من تكساس ونيفادا وكاليفورنيا في منتصف القرن التاسع عشر عبر انتزاعها من المكسيك بعد الحرب الأمريكية المكسيكية وأتفاقية غوادالوبي هيدالغو).
لكن حتى في العصور الأحدث فإن هجرات اللاتينيين، من جمهوريات امريكا الوسطى مثل المكسيك (أكثر البلدان كثافة في الهجرة للولايات المتحدة) ونيكاراغوا والسالفادور، أو جمهوريات امريكا الجنوبية مثل كولومبيا والبرازيل، لم تتوقف.
وبالتالي فعمق تاريخ هذه العلاقة عبر الهجرة مكن الباحث من دراسة التغيرات في أولويات المهاجرين حسب الجيل. فوجد الباحث أن الأجيال الاولى من المهاجرين تواصل علاقتها الثقافية والاقتصادية (التحويلات، بناء مشاريع اقتصادية ومساكن إلخ في البلد الام) مع البلد الأم. وبالتالي فإنها تنتظم حول أولويات متعلقة بعلاقة الولايات المتحدة مع بلدانها الأم. لكن مع تطاول بقاء المهاجرين فإن أجيالهم التالية تتحول لأولويات في مجملها أمريكية النزعة مثل الاقتصاد الامريكي ألخ. إلا أنه يبقى حتى بالنسبة للمهاجرين من الاجيال الاحدث أهتمام راسخ بمسألة قوانين الهجرة نفسها. حيث يرى المهاجرون من أصول لاتينية أن دفاعهم عن قدرة مواطني دولهم في الهجرة لأمريكا يمثل مصلحة ثقافية راسخة بالنسبة لهم.
ووجد الكاتب أن الاستثناء الوحيد ربما لهذه النزعات هم المكسيكيون، إذ يحافظ، القرب الجغرافي، وسياسات الحكومة المكسيكية الساعية للحفاظ على علاقة مستمرة مع مواطنيها المهاجرين، على استمرارية لوجود العلاقات المكسيكية الامريكية كاولوية بالنسبة لمنظمات الضغط المتكونة من الجالية المكسيكية.
يهمنا هنا ملاحظة أن للدولة والمجتمع الامريكي قدرة كبيرة على تركيز أهتمام الاجيال اللاحقة محليا. بحيث تفقد الاجيال المهاجرة التالية تركيزها على العلاقة مع وطنها الام (لاحظ أنه إذا صح ذلك بحق اللاتينيين وهم أقرب جغرافيا وثقافيا للمجتمع الامريكي فإنه بالتأكيد يكون أصدق بالنسبة للسودانيين والافارقة). وبالتالي فإن أي عملية تنظيم لابد أن تضع نصب عينها ايجاد مكانزمات مقاومة للإذابة الكاملة. وللمجتمعات اليهودية والارمنية تجارب جيدة في هذا الصدد سنتطرق لها في هذه السلسلة.
على صعيد آخر، تطرق هذه الورقة لما يمكن تسميته ب"الاقتصاد السياسي للتحويلات". فقد يتفاجأ القاريء أنه بالنسبة لأغلب دول الجنوب العالمي، أو دول العالم الثالث، فإن تحويلات المهاجرين هي أكبر قيمة من كل مجموع الاستثمارات الاجنية. (أظن أن الامر ينطبق على السودان كذلك لكن ليس هنالك احصاءات رسمية واضحة). هذه العلاقة الاقتصادية عبر التحويلات دفعت الدول الام في امريكا اللاتينية لإنشاء مؤسسات حكومية تسعى لتقوية علاقة المهاجرين بأرضهم الأم وبالتالي زيادة حجم التحويلات. وللمكسيك في هذا المجال باع طويل. فتجد مثلا أن مشروع "المجتمعات المكسيكية التي تعيش في الخارج أو مركز المكسيكيين في الخارج حاليا" قد تمكن بعد انشائه من ربط تحويلات المهاجرين مع العديد من مشاريع التنمية المحلية.
وأدى الاقتصاد السياسي للتحويلات، كذلك، لانتصار تيار "تعدد الجنسيات" الذي ضغط المهاجرون اللاتينيون على دولهم الام لتبنيه. فتجد أن دولا، مثل البرازيل وكولومبيا و المكسيك وغواتيمالا، لم تجر تعدد الجنسية إلا في التسعينات. بعد ضغط المهاجرين عليها بالطبع. كما تجد أن هذه الدول واجها ضغوطا من أبنائها كذلك لتمكن مهاجريها من التصويت في السفارات في الانتخابات الوطنية.
ولمثل هذا الاقتصاد السياسي للتحويلات ايجابيات كما ذكرنا في الاعلى. إلا أن له كذلك سلبيات كما هو واضح. مما دفع بعض الدول لحصر التمثيل السياسي للمهاجرين بحيث لا تتكون طبقة تؤثر على السياسة المحلية للدولة بدون أن تكون لها علاقة مباشرة معها. وعلاقة الهجرة بالأمة علاقة جدلية لا يجب تبسيطها، لا تجريما ولا مبالغة في المدح. وأجد عموما أن في ربط التمثيل السياسي (أعني التصويت وليس الجنسية) بدفع الضريبة الوطنية اتزانا منطقيا بين المهاجر وبلده الام لكن ذلك موضوع طويل آخر.
٧. الفصل السابع: الأسيويون الأمريكيون وعلاقة الولايات المتحدة بآسيا. الكاتب: بول واتانابي
في الحقيقة كانت هذه الورقة الاقل ثراءا في الكتاب. وربما ذلك انعكاس للانسحاب العام للأسيويين الامريكيين (بإستثناء الهنود، والذين لم تتطرق الورقة لهم، كما يتم التفريق بين أسيا والهند عادة) من مشهد خلق السياسات الخارجية الامريكية. وحاولت الورقة أن تفهم ذلك من منظام تعود الاسيويين (الصينيون، الفيتناميون، الكمبوديون، اليابانيون، الكوريون ألخ من جمهوريات الشرق الاقصى) على أنهم يعتبرون "أجنبيين بصورة دائمة"، أو نتيجة لعلاقات أمريكا المعقدة مع دولهم الام فإن محاولة تدخلهم في السياسة الخارجة قد تلاقى بعداء ما. كذلك سعى الكاتب لمناقشة نظرة الاسيويين لأنفسهم ربما كساعين للاندماج وليس لمواصلة التعلق بدولهم الام. (لاحظت أنا مثلا أن الاسيويين في الولايات المتحدة هم الفئة الوحيدة ربما التي تمنع ابناءها "اسما امريكيا" مرافق لاسمهم الاسيوي وبذلك يبدأ الابن في الاندماج).
هنا يمكن كذلك ملاحظة أنه ليس هنالك في الكتاب ورقة تعني بنشاط اللوبي الافريقي القاري، أي أبناء القارة مثلنا. وذلك ربما كذلك نتيجة لضعف حضور ابناء هذه الفئة في مشهد خلق السياسات الخارجية لأمريكا. وهذا ما نحاول عبر هذه الكتابة تغييره بإذن الله.
نأتي في الحلقة القادمة لنواصل تلخيص المقالات الثلاث المتبقية.
أرجوا أن تقوم بالأشتراك في المدونة. أرحب بتعليقات القراء في الأسفل. وأرحب كذلك بالتواصل عبر ايميل المدونة
mahmoud@zalam-blog.com
أخيرا أذكّر بأنه يمكن الأشتراك في قناة المدونة على واتساب عبر الرابط.