رسالة إلى السودانيين في أمريكا: في التنظيم والأهداف والتأثير -٥
تلخيص كتاب Ethnic Identity Groups And U.S. Foreign Policy
٨. الفصل الثامن: تحالفات معقدة: تحالف اللوبي الإسرائيلي مع نظيره التركي والمترتبات غير المتوقعة لهذا التحالف. الكاتب: توماس أمبروزيو
أود التنبيه أولا أن تفاصيل هذه الورقة قد تبدوا غريبة على القارئ المعاصر، إذ حدث تحول عميق في العلاقات التركية الإسرائيلية منذ صعود حزب العدالة والتنمية للسلطة في تركيا، بينما كتبت الورقة في بداية الالفية، وهي تعكس شكل العلاقات التركية الإسرائيلية في الثمانينات والتسعينات، عندما كانت هذه العلاقات أفضل بكثير.
الورقة هي نموذج جيد لما يمكن وصفه ب "محورية دور الجاليات الاثنية في الولايات المتحدة". فهي تلخص حالة أثرت فيها سياسات الجاليات، في أطار عملها على السياسة الخارجية للولايات المتحدة، على علاقات الدول بعضها ببعض. وشمل ذلك كل من تركيا، اسرائيل، أذربيجان، وأرمينيا كما سنوضح.
تشرح الورقة أن التقارب بين تركيا و إسرائيل في الشرق الأوسط قد حدث بصورة كبيرة نتيجة لحاجة الحكومة التركية لمن يعينها على تحسين علاقاتها مع الإدارة الامريكية. وبينما تمتلك تركيا كروتا جيو-إستراتيجية عديدة أهمها عضويتها في حلف النيتو وموقعها الاستراتيجي القريب من الاتحاد السوفيتي/روسيا والمنافس لها في الشرق الأوسط، فإنه ليس لها في المقابل جالية داخل الولايات المتحدة أو لوبي قوي. ومثلت هذه المسألة تحديا لتركيا تحديدا لأن الأرمن في المقابل يمتلكون جالية كبيرة وذات نفوذ ليس بصغير داخل دوائر صنع القرار الأمريكية. وبين أرمينيا وتركيا ملفات عالقة عدة. أهمها سعي الأرمن لتحقيق أعتراف أمريكي بالجينوسايد التركي ضدهم. وكذلك سعي الأرمن في أمريكا لتحجيم العلاقات الامريكية مع خصومهم في المنطقة وأولهم الأذربيجان (بين أرمينيا و أذربيجان صراعات حدودية كبيرة). وأذربيجان في المقابل حليف قوي لتركيا (وهم عرقيا من الترك).
هذه الشبكة المعقدة من الحقائق التاريخية جعلت من اللوبي الأرمني في أمريكا تهديدا معتبرا للمصالح التركية. وبالتالي سعت تركيا لتحقيق نفوذ مواز على صعيد الجبهة الداخلية الامريكية. وتشرح الورقة أن تركيا وجدت في إسرائيل، ومن خلفها اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة أفضل حليف في هذا السياق. فمقابل تحسين تركيا لعلاقاتها مع إسرائيل لعب اللوبي الإسرائيلي في أمريكي دورا رئيسيا في الدفع إيجابيا باتجاه الملفات المهمة تركيا. على سبيل المثال ساهمت معارضة اللوبي الإسرائيلي لقرار "الاعتراف بالجينوسايد الأرمني" في الكونغريس في تعطيل تمريره. وبالمثل دافع اللوبي الإسرائيلي بنجاح عن اجندة تحسين العلاقات الامريكية الأذربيجانية. وعمل اللوبي الإسرائيلي كمساند لوجستي للوبي التركي من ناحية التدريب والإرشاد.
وتشرح الورقة كذلك أن مثل هذه السياسة بين الجاليات، مثلما تحسن العلاقات بين البعض (تركيا – إسرائيل في هذه الحالة) فإنها بالمقابل أدت لتدهور في علاقات الأرمن مع المؤسسات اليهودية في الولايات المتحدة. ومع ذلك تشرح الورقة بصورة جيدة أن الشكل غير المركزي للوبي الإسرائيلي، ومؤسساته المتنوعة، بدرجاتها السياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها، قد تمكنت من تخفيف حدة التوتر بين اليهود والارمن لحد كبير.
بصورة عامة تمثل الورقة نموذجا واضحا لشرح الأفكار التالية:
I. تمثل الجاليات، حال تجويدها التنظيم والفعل، لاعبا مهما ومحوريا في تحقيق مصالح الدول الأم.
II. تمثل الجاليات، نتيجة لدورها المحوري في صنع السياسة الخارجية لأمريكا، امتدادا للدبلوماسية غير الرسمية. وبإمكانها تحسين العلاقات بين دول، أو لعب دور كرت ضغط أو غيرها.
III. في حالتنا كسودانيين وكأفارقة، قد تكون الجاليات هنا في أمريكا، مدخلا لتحسين العلاقات بين مجتمعات فرقت بينها تفاصيل السياسية المناطقية. مثل حالت السودانيين الشماليين والجنوبيين مثلا، أو السودانيين مع جيرانهم الأثيوبيين، وغيرهم.
IV. يتطلب العمل كلوبي فعال ليس فهما جيدا للسياسة الامريكية فحسب، بل وكذلك، فهما جيدا للسياسات المناطقية الجيو-استراتيجية القريبة من الدولة الأم. وبالتالي التمكن من الاستفادة في الفرص المحلية والإقليمية على حد سواء.

٩. الفصل التاسع: السلام كمناورة بأطراف ثلاث: دور الجاليات في حلحلة النزاعات. الكاتبان: يوسي شاين، وتمارا كوفمان وايتس
في هذه الورقة يقدم الكاتبان مقدمة لما يمكن وصفه بظاهرة "عولمة النزاعات". فعبر دراسة حالة النزاع الأرمني – التركي/أذربيجاني، والنزاع العربي – الإسرائيلي. وعلاقة النزاعين بدور الجاليات الارمينة واليهودية في أمريكا. حاول الكاتبان بدء نقاش حول دور هذه الجاليات كطرف ثالث في النزاع.
ويقود الكاتب لهذا التصور الثلاثي للنزاعات، بدل التصور الثنائي التقليدي، قناعة أولا بوصول العولمة لحالة متقدمة تجعل من القوى العظمى حاضرا في النزاعات بحجم حضورها الاقتصادي والعسكري. وثانيا قناعة بأن "الأمة المعاصرة" هي تكوين عابر للحدود.
هنالك بالتأكيد حالات درامية مباشرة تشير لهذا التحليل. مثل اعتماد المقاتلين الارتريين مثلا على دعم الجاليات الارترية في الخارج بصورة مباشرة أثناء النزاع مع أثيوبيا. لكن حتى في الحالات الأقل درامية، فإن دور اللوبيهات الأرمنية والإسرائيلية في الولايات المتحدة يقدم، حسب الورقة، نموذجا جيدا لحقيقة أن أنهاء النزاعات يمر أحيانا بطرف ثالث هو الدياسبورا.
ويمكننا كسودانيين أن نفهم هذا التحليل جيدا. فمن الواضح بالنسبة لنا أن نسبة غير قليلة من السياسة السودانية هي نتاج تكوينات متواجدة بصورة كبيرة خارج البلاد. وكما تشرح الورقة، فإن التصورات الهوياتية والوطنية لهذه التشكيلات، لم تتوقف أطلاقا عن المساهمة والتأثير على مسارات السياسة السودانية، بغض النظر عن إن كان هذا الامر أيجابيا أوسلبيا. وحتى أثناء هذه الحرب فإن المتابع سيلاحظ أن نشاطات الجاليات السودانية، إن كان في المعسكر الداعم للجيش، أو المعسكر الآخر، قد شكلت جزءا رئيسيا من الصراع الخطابي المرافق للحرب، بل وساهمت في توجيه رد فعل الديبلوماسية العالمية حول الحرب.
وبالتالي تشير الورقة إلى أن نظرا أكثر عمقا لدور الجاليات في صنع السلام، وهيكلتها بالتالي داخل برامج حلحلة النزاعات بصورة ما، سيكون مفيدا.

١٠. الفصل العاشر والأخير: تأثير مشروع أم مصالح ضيقة؟ خلاصات حول المجموعات الاثنية و تشكيل السياسة الخارجية للولايات المتحدة. الكاتب: توماس أمبروزيو
يمثل الفصل العاشر والأخير أحد اهم الفصول، خاصة لمن يريد أن يعمل داخل أطر التأثير عبر الجماعة الاثنية في الولايات المتحدة. فالفصل يناقش بصورة مستفيضة نظرة مؤدي مثل هذه المشاركة فيما يسمى ب "التعددية الثقافية في السياسة الخارجية Multicultural Foreign Policy" في مقابل معارضيها القائلين بأن تحويل السياسة الخارجية لساحة تنافس اثني يأسر السياسة الخارجية الامريكية داخل الاهتمامات الضيقة، الجهوية إن صح التعبير، للفئات المتصارعة يحجم المشروع الوطني الأمريكي بالتالي.
وتكمن أهمية فهم هذا النقاش بين قادة الرأي الأمريكيين، في أن لكلا الطرفين وجاهة. وكمشتغلين على محاولة التأثير على السياسة الامريكية الخارجية وجب علينا فهم التصورين والتوفيق بينهما حتى لا نتحول لمجرد متفرجين بلا فعالية من جهة أو لفاعلين بتصور ضيق لا يراعي المصالح الكلية للبلد الذي نعيش فيه. وتخلص الورقة لخلاصة أراها جيدة هي أن الفاعل حال فهمه لهذا النقاش واستيعابه أمكنه أن يمارس فعله بما يحقق مصالح وطنه الأم وكذلك مصالح الدولة الامريكية على حد سواء. فمن المنظور العام الجذري، ليس هنالك تعارض من حيث المبدأ بين الكتلة الديمقراطية الامريكية (الشعب الأمريكي كشعب ذو سيادة على الدولة) ومصالح بقية شعوب العالم. وإلا لما كانت الهجرة نفسها ممكنة ناهيك عن نتائجها التابعة.
من منظور مؤيدي مشاركة المجموعات الاثنية عبر تكوين اللوبيهات فإن هذه المشاركة تمثل:
I. جزءا من العقيدة الديمقراطية الليبرالية الامريكية التي تسمح بالتنظيم والتعبير بما في ذلك بما يناسب الهوية الاثنية للفرد.
II. تعبيرا طبيعيا ومشروعا عن التنوع داخل المجتمع الأمريكي الذي هو في الأصل مجتمع من المهاجرين.
III. تصحيحا لانحيازات عرقية تاريخية بيضاء مثل التي تم التفصيل فيها في فصول سابقة فيما يخص الحرب الامريكية الاسبانية أو العلاقة مع الابرتهايد الجنوب افريقي.
IV. عاملا ضد الانعزال حيث تربط المجموعات الاثنية الولايات المتحدة بدولها الام.
V. تمثل هذه المجموعات رسلا للديمقراطية في بلدانها الام. فبمشاركة هذه المجموعات في العملية السياسية الامريكية تدخل وجدانيا في المجال الديمقراطي كعقيدة سياسية.
VI. تدعيم للمصالح الامريكية، فمن منظور المؤيدين فإن المجموعات الاثنية تساهم في ترسيخ التحالفات الامريكية المهمة استراتيجيا مثل التحالف مع إسرائيل. (من منظور اغلب المحللين الأمريكيين فإن التحالف مع إسرائيل مفيد موضوعيا للولايات المتحدة، ويعارض هذه الفرضية مفكر ومحلل مهم هو جون ميرشايمر وله كتاب شهير في هذا الصدد).
على الصعيد الآخر يحذر معارضو تدخل المجموعات الاثنية من المخاطر الآتية:
I. سيطرة المصالح الضيقة في مقابل المصالح القومية الامريكية: يخشى المعارضون من أن تتحول السياسة الخارجية الامريكية لمطية لتوجهات ضيقة عرقية ومناطقية لا تمت بصلة للمواطن الأمريكي بشكل عام.
II. تقويض المبدأ الديمقراطي للمواطنة: يرى المعارضون أن المواطنة في المجتمع الديمقراطي تحتاج للحماية من تحول "القلة المنظمة" لقوة أكبر من الأغلبية الصامتة. وإحدى وسائل تحقيق ذلك هو منح "المصلحة العامة" قيمة عليا في الفضاء السياسي، الأمر الذي تقوضه فكرة المجموعة الاثنية التي تعمل لتحقيق مصلحة ضيقة اثنية.
III. تحول المجموعات الاثنية لأذرع لحكومات اجنبية: يرى المعارضون خطورة تحول اللوبيهات الاثنية للوبيهات تعمل مباشرة تحت امرة حكومات اجنبية.
IV. تحول السياسة الخارجية لسياسة مضطربة تتخطفها أمواج النزعات الاثنية المختلفة. بلا توجه وطني واضح. وبالتالي عدم قدرة الاخرين على التعامل بصورة طويلة المدى مع الولايات المتحدة.
V. على الجانب الآخر يرى المعارضون أن تدخل المجموعات الإثنية قد يؤدي لسياسات أمريكية جامدة غير مرنة. مثلما الوضع مع كوبا حيث وبعد أنتفاء السبب الرئيسي للعداء لكوبا وهو تحالفها مع الاتحاد السوفيتي أستمرت الولايات المتحدة في سياستها العدوانية تجاه كوبا بسبب اللوبي الكوبي ذو النفوذ المعتبر في واشنطن، والذي تقوده جالية كوبية شديدة المعارضة لنظام كاسترو وأخيه. يخشى المعارضون من هذا النوع من التورط في الجمود السياسي بسبب نفوذ المجموعات الاثنية التي لا ترى المسألة من المنظور الجماعي للولايات المتحدة بل من منظور غبائنها أو اهتماماتها الضيقة.
VI. يخشى المعارضون كذلك من عدم التوازن بين الجاليات المختلفة من حيث القوة والنفوذ. وتضرب الورقة مثالا بفارق القوة والنفوذ الكبير جدا بين اللوبي الإسرائيلي (واليهودي عموما) وبين اللوبي العربي. وهذا الامر، حسب الورقة، قد يؤدي لحالة الجمود الموصوفة أعلاه. مثال آخر هو الفرق في التأثير بين اللوبي الأرمني واللوبي الاذربيجاني حيث يكاد لا يكون هنالك وجود للأخير في واشنطن.
أرى أن نظرة دقيقة لهذا النقاش ستكون مفيدة جدا للفاعل المستقبلي في هذا المجال. فإذا انطبقت كل السلبيات على فعلنا كسودانيين مثلا فسنكون أصبحنا حجر عثرة ليس لمصالح أمتنا فقط بل ولحالة "التعددية الثقافية في السياسات الخارجية الأمريكية" عموما. وبالتالي ألحقنا ربما ضررا واسعا بحقوق الاثنيات المختلفة في هذا البلد. في المقابل فإن فهم الإيجابيات ومحاولة التركيز عليها وعلى عكس صورة عامة جيدة سيؤدي للعكس.
إن المشاركة في التعاقد الاجتماعي الديمقراطي الأمريكي لا يمكن أن تتم بدون فهم عام لهذا التعاقد والالتزام بصورة عامة بآدابه. وذلك ليس تدريبا جيدا على حسن الجيرة والرفاقية مع كل الأجناس فحسب، بل هو كذلك تدريب عام على الممارسة الديمقراطية السليمة. وإن كنا، للأسف، كسودانيين قد فشلنا ثلاث مرات في الحفاظ على التحول الديمقراطي في بلدنا فذلك لقلة المناطق التي يتدرب فيها الناس على التسامح الديمقراطي ويتربى فيها السودانيون على قبول شروط اللعبة الديمقراطية، وبالتالي فهذه فرصة لنا كمهاجرين في هذا البلد لنوطن العمل الديمقراطي في أدبياتنا كجالية. وأرى أنه سيكون لذلك أثر جيد طويل المدى على فرص التحول الديمقراطي في بلدنا الام.
تختم الورقة بتحليل رصين لحال "الجاليات المسلمة" في الولايات المتحدة. وجاءت الورقة (والكتاب) في توقيت يناسب هذا التحليل، حيث تم نشر الكتاب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر المؤسفة، ويلاحظ الكاتب أنه أنه بينما أزدادت أعداد المسلمين في الولايات المتحدة بصورة ملحوظة في العقود الأخيرة، فإن هذه الجالية تحديدا تلقت ضربة كبيرة بسبب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، منعتها عن توسيع تأثيرها السياسي والاجتماعي، حيث حبست تلك الاحداث الجالية في حالة دفاعية محاصرة بالاسلاموفوبيا وخلقت مناخا متشجنا حولها.
كسودانيين شماليين فنحن جزء من هذه الجالية المسلمة في أغلبيتنا. وبالتالي فإننا في موقع مميز لنكون أحد روافع العمل الجماعي داخل هذه الجالية، وبالنسبة لي يمثل المسجد كمؤسسة اجتماعية نسعى لخلقها بيننا أحد أهم روافع التنظيم الجماعي ويجب أن نعي هذه النقطة جيدا.

وبهذا السرد نكون وصلنا لنهاية تلخيص الكتاب.
نأتي في الحلقة القادمة لنشرح خطوات العمل المقترحة للبدء في تكوين لبنات التنظيم القاعدي الديمقراطي للجاليات السودانية.
أرجوا أن تقوم بالأشتراك في المدونة. أرحب بتعليقات القراء في الأسفل. وأرحب كذلك بالتواصل عبر ايميل المدونة
mahmoud@zalam-blog.com
أخيرا أذكّر بأنه يمكن الأشتراك في قناة المدونة على واتساب عبر الرابط.