Discussion about this post

User's avatar
عبدالحفيظ's avatar

الاستعمار والشيوعية هما في جوهرهما أشكال

مختلفة من الليبرالية، وليس أنماطًا مناقضة لها كما قد يُفترض. فجميع هذه النماذج تشترك في سعيها نحو تحقيق ما يُسمّى “التقدّم”، وذلك من خلال التحديث التكنولوجي والاقتصادي، وإعادة هيكلة القوانين والمؤسسات الاجتماعية، وإن بدرجات متفاوتة من السلطوية وإعادة توزيع الثروة.

تنبثق هذه المشاريع الفكرية والسياسية من عصر التنوير الأوروبي، الذي رسّخ مفهوم “التقدّم الحضاري” باعتباره الهدف الأعلى، ويُترجم ذلك اليوم في مفاهيم مثل “التنمية” في الخطابات الدولية (كخطابات الأمم المتحدة). ويقوم هذا التقدّم على محوريْن أساسيين:

- التقدّم التكنولوجي والاقتصادي كوسيلة لتوفير الحقوق الاقتصادية الأساسية للمواطنين (التعليم، الصحة، السكن، التقاعد).

- الإصلاح القانوني الذي يهدف إلى تفكيك المؤسسات التقليدية (الدين، الأسرة، الزواج)، باعتبارها قيودًا على الحرية والمساواة.

لكنّ هذا التحوّل لا يتم دائمًا بسلاسة، إذ يتطلب مستوى كافيًا من النمو الاقتصادي والقبول الاجتماعي، وإلا قد تواجه السلطة مقاومة مجتمعية. في هذا السياق، يصبح اللجوء إلى السلطة الاستبدادية وسيلة لتسريع وتيرة التقدّم، عبر قمع المعارضة وفرض القوانين الجديدة بالقوة، كما حدث في مشروع نابليون داخل أوروبا، وفي الاستعمار الأوروبي خارجها.

وبالمنطق ذاته، استخدم الشيوعيون في روسيا والصين وسائل سلطوية مماثلة لفرض التحديث وكسر مقاومة المجتمعات التقليدية، سواء داخل بلدانهم أو في مناطق مثل آسيا الوسطى والتبت. ورغم أن الشيوعية أكثر ميلاً لاستخدام السلطوية مقارنة بالليبرالية التقليدية، فإن الفرق بينهما ليس فرقًا في المبدأ، بل في الدرجة.

كذلك في مجال إعادة توزيع الثروة، يتفق الليبراليون والشيوعيون على أهمية تدخل الدولة لضمان الحقوق الاقتصادية، لكن تختلف النسبة فقط: الشيوعيون يسعون إلى توزيع أوسع وأسرع، في حين أن الليبراليين يقبلون بذلك تدريجيًا وبقدر ما تسمح به البنية الاقتصادية.

في ضوء ذلك، يمكن فهم كل من الاستعمار والشيوعية باعتبارهما تجليات مختلفة لمشروع ليبرالي مشترك، يتبنّى فكرة التقدّم على أساس تقني-اقتصادي وقانوني، ويستخدم أدوات سلطوية واقتصادية لتحقيق هذا المشروع، مع اختلافات في الدرجة وليس في الجوهر.

Expand full comment

No posts