هذا الاسبوع في أمريكا-٨: ما الذي حدث لغلين لاوري، الابارتهايد بعيون جوردن بيتيرسون، والصهيونية في ٢٠٢٥ كظاهرة مسيحية خالصة
سلسلة أسبوعية عن أمريكا كما أعرفها
أسبوع ٧ يونيو ٢٠٢٥(أكملت كتابة المقال ١٧ يوليو ٢٠٢٥ لظروف السفر والعمل، مع الاعتذار للقراء)
أقرأ مقدمة السلسلة:
١. حالة غلين لاوري مع أسرائيل: نموذج، غير متوقع، لسياسات الاخضاع المنهجية أو ال Critical Race Theory
لغير المتابعين، يمكننا التعريف بغلين لاوري تلخيصا بالقول بأنه أحد أشهر الأصوات الاكاديمية السوداء المحافظة في أمريكا. فهو، مع صديقه الأكاديمي الأسود جون ماكورتر، وعبر برنامجه The Glenn Show (له أكثر من ١٤ مليون مشاهدة على يوتيوب) كان أحد أكثر الاصوات السوداء رفضا للكثير من المسلمات الليبرالية أو اليسارية فيما يخص سياسات السود أو العرق في أمريكا. يرفض لاوري مثلا سياسات تشجيع المساواة والتنوع Diversity Equity and Inclusion (DEI). ونظرية العرق الجذرية Critical Race Theory التي تدعي أن هنالك آلية منهجية في القانون الأمريكي والمؤسسات الأمريكية الرسمية أو الخاصة لخلق حالة استتباع للسود، على سبيل المثال في القانون الجنائي أو خلافه. ويرفض كذلك أحد الأهداف المثيرة للجدل لبعض الناشطين السود وهو مطلب جبر الضرر Reparations الذي ينادي بضرورة تلقي الأمريكيين السود المنحدرين من أصول الرق لمدفوعات مالية تعويضا عن الضرر التاريخي المنهجي الذي لحق بهم. (للأكاديمي الشاب، الذي يروق لي كثيرا، أوسي فريمبونغ، دفاع مقنع جدا عن هذا المطلب يمكن مشاهدته هنا).
وحياة لاوري نفسها هي شاهد على متاعب السود المنهجية في التاريخ الأمريكي. نشأ لاوري في حي في الضاحية الجنوبية لشيكاغو (الشهيرة بمستويات الجريمة بالغة الارتفاع) في منطقة كانت محددة للسود عبر سياسات الاحتواء البنكية Redlining وهي سياسات بنكية منعت التمويل عن أحياء السود باعتبارها مناطق خطرة. فتحولت الأحياء بمرور الزمن لمناطق مفقرة منهجيا. ورغم هذه البداية تمكن غلين من تحقيق مشوار اكاديمي مميز أنتهى به في أفضل الجامعات الامريكية، لكن بعد أن تخطى أولا عقبة السجن نتيجة لجريمة امتلاك بعض المخدرات (تم عبر تكثيف الحرب على المخدرات أعتقال نسبة عالية جدا من الشباب السود في الثمانينات والتسعينات، بما في ذلك جرم امتلاك الحشيش الذي تم السماح بتعاطيه مؤخرا في معظم الولايات الامريكية).
في النهاية تمكن غلين من شق طريق أكاديمي مميز إنتهى به أستاذا في جامعة براون وهي أهم جامعة سوداء في الولايات المتحدة. إلا أن نزعته المحافظة خاصة فيما يتعلق بنقد الليبرالية السوداء (نتيجة لمتاعبه الخاصة في فترة الشباب، اعاد غلين أكتشاف نفسه عبر الدين المسيحي وأصبح ذلك جزءا اساسيا من هويته)، وجد غلين نفسه على تناقض أو عدم ارتياح ربما في جامعة براون حيث الاغلبية، مثل كل المؤسسات الاكاديمية الامريكية هذه الايام، هي لليبرالية الهوياتية. قادته هذه الوضعية، رفقة عرض جيد من مؤسسة مانهاتن Manhattan Institute، إلى مغادرة جامعة براون والالتحاق بمؤسسة مانهاتن بدرجة زميل أكاديمي Fellow.
وجوده في مؤسسة مانهاتن أتاح لغلين أن يركز على أنتاج برنامجه المشار له في الاعلى في يوتيوب وتلقى، حسب غلين نفسه، مقابلا مجزيا على مساهمته الأكاديمية في المؤسسة. المساهمة التي ركزت عموما على نزعات غلين المحافظة فيما يخص تحليله لمسألة السود في الولايات المتحدة: رفض التحليلات الليبرالية لها والتركيز على الحلول المحافظة مثل حل الخلل في منظومة الأسرة في الأحياء السوداء، رفض ثقافة الهيب هوب (أو موسيقى الراب)، تشجيع المسؤولية الفردية و تشجيع الشباب الاسود على الانضباط والجدية والاستثمار الرأسمالي أو المشاركة في سوق العمل عموما. وهكذا إنفصل غلين بصورة حادة عن التيار المهيمن في السياسة السوداء خاصة بعد أحداث مقتل جورج فلويد وإنتشار مظاهرات Black Lives Matter.
ومثل هذه الخدمة للتيار المحافظ عزيزة وقابلتها مؤسسة مانهاتن برحابة صدر. فوجود أكاديمي أسود بمهارة خطابية وقدرة على الاقناع كأحد أعمدة ردة الفعل المحافظة على إنتصارات الليبراليين (وآخرها الأنتصار الواسع لباراك أوباما الرئيس) يعد مكسبا مهما.
أستمر هذا الزواج المنتج لفترة غير قصيرة. فإلتزام غلين لاوري بالنظرة المحافظة ألتزام راسخ وصادق كما يبدو من متابعه برنامجه. وله في ذلك وجاهة وجب القول. فالسياسات الليبرالية بحق السود تحولت بمرور الوقت لسياسات هوياتية بالغة البؤس ولا تحترم العقل الانساني. وفي غالب الأمر تحولت لسياسات حصد أصوات ديمقراطية كلما إقترب موعد الانتخابات. بينما تبقى أوضاع الأحياء السوداء في كل المدن الامريكية في وضع بالغ السوء. وأكبر الضربات المنهجية التي تلقتها المجتمعات السوداء كانت فعلا في الاسرة التي تضررت من سياسات الحرب على المخدرات المبالغ فيها والوضع الثقافي الاقتصادي للمجتمعات السوداء كذلك. وربما لا تكون إجابات غلين لاوري على هذه المتاعب بالغة الدقة أو صحيحة، لكنها بالتأكيد أفضل من تركيز الهوياتيين على تجريم الكلمات ومحاولة حل مشكلة تاريخية اجتماعية أقتصادية عبر منع بعض العبارات.
نهاية علاقة غلين لاوري، مع ذلك، مع مؤسسة مانهاتن جاءت عاصفة وغير متوقعة (أو متوقعة إذا ركزنا على حقيقة أن أغلب المؤسسات المحافظة في أمريكا تعتمد على تبرعات شبكات المسيحية الايفانجيلانية "الصهيونية عادة"):
بعد قراءته لكتاب تناهيسي كوتس الاخير "الرسالة The Message " والذي يذهب فيه الكاتب الامريكي الاسود في سياحة لمناطق عدة من بينها فلسطين ويكتب بصورة مؤثرة عن المسألة الفلسطينية. وجد غلين لاوري نفسه في وضع النفس اللوامة فيما يخص غزة. ولامست غزة ووضعيتها تحت تهديد نوع أو آخر من الأبارتهايد تاريخ غلين لاوري نفسه كمنحدر من أصل الرق الامريكي. وبالتالي وجد غلين نفسه في حالة رفض علني لما يجري في غزة. رفض جلب عليه أولا بعض لفت النظر من مؤسسة مانهاتن ثم بعدها بقليل قررت المنظمة الانفصال عنه.
يشرح غلين لاوري ما جرى بصورة درامية وربما ملحمية حتى، غير متوقعه من معاشر قديم لمصادر التمويل المحافظة، في حلقة مع الكاتبة والناشطة اليسارية بيريانا جوي غري (كانت أحد الناطقين باسم حملة بيرني ساندرس):
وظهر غلين بصورة يصعب التعبير عنها متراوحا بين الخجل من جهة. فهو يعلم أننا جميعا نعلم أنه يعلم أن العمل مع المحافظين وأجندتهم النفاقية هو أنتهازية في أفضل الاحوال وغباء طفولي في أسوئها. ولكن كذلك، وبصورة أعجبتني شخصيا، يتراوح غلين على الصعيد الآخر نحو حالة من الشهادة المطلقة: فمثل تضحية غلين من أجل غزة، هي تضحية بآخر حليف، بعدها يجد غلين نفسه في السهلة كما نقول، فاليسار الجزافي بدوره لا يغفر. وربما وجب على كل كاتب أو ناشط أو فاعل سياسي أو حتى إنسان عادي أن يمر بتجربة كره اليمين واليسار (أفيونا الشعوب) في نفس الوقت حتى يستعيد عقله أو روحه.
ربما دفع الفلسطينيون ثمنا أغلى من هذه النتيجة وبكثير، لكن عموما تحولت القضية الفلسطينية لمكان يستيقظ فيه الناس على حقائق تفوق التفاهات اليومية للمصالح الشخصية أو الحزازات السياسية الطفولية. وتزعزع هذه الانسانية المستعادة تراكيب صلبة، مؤسسات، وشبكات مادية وأكاديمية كانت راسخة. مثل مؤسسة مانهاتن.
يعمل قانون الجدل التاريخي، للمفارقة (وجدليا يمكن القول)، في أكثر وقت يفترض فيه الثبات.
٢. جوردن بيترسون: حالة متطرفة من العبط عبر الثقافة
كان ظهور أستاذ علم النفس الكندي جوردن بيترسون إلى الساحة الثقافية السياسية عاصفا: في العام ٢٠١٦ أحدث الاستاذ في جامعة تورنتو ضجة كبيرة عندما قام بانتقاد القانون (سي-١٦) المعاد لاضطهاد الاقليات الجنسية (حسب زعم القانون)، والذي من وجهة نظر بيترسون فرض على الكندي أن يلتزم باستعمال ضمائر مخاطب بعينها حال طلب الشخص المتحول جنسيا أو غيره ذلك. مثل أن يطلب الذكر أن ينادى بهي أو هم. وأحدث أعتراض بيترسون على القانون ضجة واسعة داخل الجامعة حينما قامت مجموعات يسارية بمحاصرة محاضراته والمطالبة باقالته. وبالفعل إنتهت المسألة بخروج بيترسون من الجامعة وسط ضغوط هائلة. وإنطلق بيترسون بهذه المسألة إلى الفضاء العام، بدرجة غير مسبوقة من النجاح وهو ما يزال إلى اليوم يستفيد من ذلك الحدث شهرة وعائدا ماديا.
تحول أستاذ علم النفس إلى مثقف عام public intellectual لليمين. وجذب عددا غفيرا من الشباب الذي أذاه اليسار الثقافي بتطرفه ولا معقولية مطالبه. وتحول استاذ علم النفس إلى مدرب تنمية بشرية كذلك بكتابة (١٢ قانونا للحياة). والذي فيه يقدم بيترسون نصائح من شاكلة: قبل أن تحاول تغير العالم قم أولا بتنظيف غرفتك. باعتبارها نصائحا وجودية تعدل الراس.
ووجد بيترسون في ما سمي ب "شبكة الانترنت الظلامية" Intellectual Dark Web ملجأ. فوجد مكانا شبه ثابت في حالقات الاعلامي جو روغان المحضورة. وغيرها من قنوات اليوتيوب. وأصبح أحد أعمدة الهجمة المضادة ضد اليسار الثقافي المتطرف المسمى Woke.
وهكذا يمكن القول أن حالة من العباطة اليسارية أنتجت حالة من العباطة المضادة بنجاح. ويمكن في هذا المجال ذكر الكثير من محدودي الذكاء اليمينيين الذين تسلقوا هذه الموجة مثل بين شابيرو و شارلي كورك و ديف روبين وغيرهم. وتقوم استراتيجية هؤلاء على توفير ردود حازمة على أقصى أنواع العباطة اليسارية (مثل المطالبة بتغيير ضمائر المخاطب، أو المطالبة بنشر ثقافات جنسية لأطفال المدارس وغيرها) ثم الاستثمار ماليا و اعلاميا في الشهرة الناتجة. وطرح أنفسهم كمثقفين من الوزن الثقيل.
حجم جوردن بيترسون الحقيقي كمثقف جزافي ظهر في المقابل في مناظرة اقامها مع الفيلسوف السلوفيني الهيغلي سلافوي جيجاك. في المناظرة حاجج بيترسون بصورة تكاد تكون جنونية بأن اليسار الثقافي هو نتاج لقراءة ما للماركسية. فيما يسميه بيترسون الماركسية الثقافية أو الإجتماعية. وبالتأكيد أي مطلع على جيجاك الماركسي سيجده ناقد دقيق لحالة اليسار الثقافي ومنذ وقت طويل، ومن منصة الماركسية نفسها. ومن المعروف أن هنالك قراءة ماركسية ترى في اليسار الثقافي حالة من حالات النضال البرجوازي أو البرجوازي الصغير الذي يحاول تشويه أو تغبيش نضال الطبقة العاملة بتحويله لنضال ثقافي ضحل. يمكن مشاهدة المناظرة هنا، وهي مسلية لأقصى حد:
وكما هو واضح من الفيديو فإن ما ينقص جوردن بيترسون في مجال الثقافة يعوضه بنوع من التمثيل أو التحاذق وحركات اليد. وهو أمر حال ظهوره للواحد يظهر كشيء غاية في الاضحاك والكوميديا.
مع ذلك، استمر جوردن بيترسون، مدفوعا بنهم من الشباب اليميني لمنتوجه، في نجاحه الاعلامي. ويواصل إلى اليوم القفز من مسألة إلى أخرى ممثلا لدور المثقف. ووصل أخيرا إلى الدفاع عن الابارتهايد الجنوب افريقي (الذي رفعه أيلون ماسك مؤخرا إلى مستوى القضية الامريكية).
يحاور في هذه الحلقة بيترسون أحد الجنوب أفريقيين البيض. ويبدو بيترسون في الحلقة أكثرا تشبثا بالابارتهايد كماضي به بذرة خير من رفيقه الجنوب افريقي الابيض. مثل محاولة بيترسون التبرير لأن الاقلية البيضاء في جنوب افريقيا تمتلك أكثر من ٨٠٪ من الارض عبر فكرة أن "الهولنديين يجيدون الزراعة". كأن علينا أن ننسى كل تاريخ الثورة الزراعية منذ قبل التاريخ التي تشير لحقيقة أن كل الشعوب والإثنيات تجيد الزراعة بصورة أو أخرى، وأن نرى في حقيقة أحتكار الارض مجرد تبعة لمهارة خاصة لدى البيض الهولنديين.
يشعر الواحد بالغبطة والغيظ، في نفس الوقت، من أمثال بيترسون. الغيظ لأن النجاح عند غير المستحق بغيض ببساطة. أما الغبطة فهي لأن الواحد يجب دائما أن يرغب في أضعف عدو ممكن. تلك نزعة انسانية عادية.
٣. صهاينة مسيحيون ومسيحيون فقط: الوضع الراهن للوبي الاسرائيلي
بعيدا عن النقاش المكرر حول زهران ممداني، الفائر مؤخرا بترشيح الحزب الديمقراطي لانتخابات عمدة نيويورك، النقاش الذي يركز اما على اسلامه، أو اشتراكييته. وأدبيات صراع اليمين واليسار المكررة. (أقف و أنا الذي أعرف نفسي كشيوعي أفريقي، ضد نوع الاشتراكية الكسولة لزهران، فعندي أقامة محلات تسوق حكومية هو تقوية لعدو رئيس وهو الدولة ضد الكادحين، ومكان المحلات الحكومية أدعوا لمحلات تعاونية مملوكة للناس جماعيا وليس للدولة، لكن ذلك موضوع اخر).
بعيدا عن هذا النقاش هنالك تفصيلة تهمنا كساعين في مجال القضية الفلسطينية ومسألة الامبريالية عموما، وهي الصوت اليهودي في نيويورك.
يجب التنويه أولا إلى أن مدينة نيويورك هي ثاني مدينة في العالم من حيث عدد اليهود بعد تل ابيب.
في هذه المدينة تمكن زهران المرشح المسلم المؤيد للقضية الفلسطينية من الحصول على حوالي ٢٠٪ من اصوات اليهود. وحسب استطلاعات رأي عديدة يعتقد أن أكثر من نصف اليهود أقل من عمر ٣٥ سنة هم بالمجمل ضد سياسات اسرائيل تجاه الفلسطينيين. كذلك يمكنك القراءة بتفصيل أكثر عن الفريق من اليهود الذي ضمته حملة زهران الانتخابية بالضغط هنا. وكان السؤال الذي بات مشهورا و الذي واجهه زهران في أثناء المناظرة الانتخابية حول أي الدول ستزور أولا (يفترض أن تكون الاجابة هي اسرائيل حسب المسلمات التي يضعها اللوبي في السياسة الانتخابية الامريكية، وجاوب زهران بأنه لن يزور أي دولة أجنبية)، كان هذا السؤال هو أحد أسباب فوز زهران في النهاية لأنه لم يلق أي استحسان أمام الناخبين الامريكيين في المدينة ذات الثقافة اليهودية المشهودة:
أمام هذا التضعضع في موقف اللوبي الاسرائيلي بين اليهود كيف إذن يحافظ اللوبي الاسرائيلي على قواه كاملة (كما ظهر في قابلية ترمب للضغط عليه لضرب ايران متى أرادت اسرائيل)؟
الإجابة هي: اللوبي الاسرائيلي اليوم هو ظاهرة مسيحية في المقام الاول. وليست يهودية. المسيحية الصهيونية بصفتها أحد نتائج حركة المسيحيين الايفانجيليين البروتستانت الاصوليين، وهي حركة كثيفة ديمقراطيا من حيث العدد، ثرية من حيث الدعم المالي الموفر للكنائس الاصولية وسعة المؤسسات الدينية السياسية الناشئة عنها.
من بين مدارس المسيحية الاصولية الايفانجيلية هنالك المدرسة التدبيرية بالغة الرواج. وتقوم هذه المدرسة على عقيدة راسخة في مسألة نهاية العالم و نزول المسيح. وفي أن الرب يسخر عباده لتدبير حدوث هذه النهاية. وعبر هذه القراءة تتحول مساندة اسرائيل من كونها مجرد أنتظار لنهاية العالم لكونها عملا سياسيا دؤوبا "تدبيريا" لتحقيقه. فالتاريخ المطلق المقرر سلفا والفعل الحر عند هذه المدرسة هم نفس الامر.
وقام المخرج توندي هيسين شي والصحفي الاستقصائي بارع المهنية والموهبة لي فانغ بانتاج سلسلة على قناة الجزيرة الانجليزية تتبع هذه المسألة بصورة جيدة. ويجدر بنا كمناصرين لفلسطين أن نعطي اللوبي الاسرائيلي حقه من الدراسة من بوابة مسيحيته ربما أكثر من يهوديته. وفي هذا المجال يجدر الحديث عن الحوار بين الاديان ليس بصفته حالة فلكلورية شكلية بل بصفته نوعا من الشفاء المشترك من مختلف امراض الاصولية الدينية.
أرجوا أن تقوم بالأشتراك في المدونة. أرحب بتعليقات القراء في الأسفل. وأرحب كذلك بالتواصل عبر ايميل المدونة
mahmoud@zalam-blog.com
أخيرا أذكّر بأنه يمكن متابعتنا عبر:
Website: Zalam-blog.com
FB: Facebook.com/mahmoud.elmutasim
X: X.com/zalam_blog
YouTube: Youtube.com/@shawla-podcast
Telegram: T.me/mahmoud_elmutasim
WhatsApp: Whatsapp Channel
الاستعمار والشيوعية هما في جوهرهما أشكال
مختلفة من الليبرالية، وليس أنماطًا مناقضة لها كما قد يُفترض. فجميع هذه النماذج تشترك في سعيها نحو تحقيق ما يُسمّى “التقدّم”، وذلك من خلال التحديث التكنولوجي والاقتصادي، وإعادة هيكلة القوانين والمؤسسات الاجتماعية، وإن بدرجات متفاوتة من السلطوية وإعادة توزيع الثروة.
تنبثق هذه المشاريع الفكرية والسياسية من عصر التنوير الأوروبي، الذي رسّخ مفهوم “التقدّم الحضاري” باعتباره الهدف الأعلى، ويُترجم ذلك اليوم في مفاهيم مثل “التنمية” في الخطابات الدولية (كخطابات الأمم المتحدة). ويقوم هذا التقدّم على محوريْن أساسيين:
- التقدّم التكنولوجي والاقتصادي كوسيلة لتوفير الحقوق الاقتصادية الأساسية للمواطنين (التعليم، الصحة، السكن، التقاعد).
- الإصلاح القانوني الذي يهدف إلى تفكيك المؤسسات التقليدية (الدين، الأسرة، الزواج)، باعتبارها قيودًا على الحرية والمساواة.
لكنّ هذا التحوّل لا يتم دائمًا بسلاسة، إذ يتطلب مستوى كافيًا من النمو الاقتصادي والقبول الاجتماعي، وإلا قد تواجه السلطة مقاومة مجتمعية. في هذا السياق، يصبح اللجوء إلى السلطة الاستبدادية وسيلة لتسريع وتيرة التقدّم، عبر قمع المعارضة وفرض القوانين الجديدة بالقوة، كما حدث في مشروع نابليون داخل أوروبا، وفي الاستعمار الأوروبي خارجها.
وبالمنطق ذاته، استخدم الشيوعيون في روسيا والصين وسائل سلطوية مماثلة لفرض التحديث وكسر مقاومة المجتمعات التقليدية، سواء داخل بلدانهم أو في مناطق مثل آسيا الوسطى والتبت. ورغم أن الشيوعية أكثر ميلاً لاستخدام السلطوية مقارنة بالليبرالية التقليدية، فإن الفرق بينهما ليس فرقًا في المبدأ، بل في الدرجة.
كذلك في مجال إعادة توزيع الثروة، يتفق الليبراليون والشيوعيون على أهمية تدخل الدولة لضمان الحقوق الاقتصادية، لكن تختلف النسبة فقط: الشيوعيون يسعون إلى توزيع أوسع وأسرع، في حين أن الليبراليين يقبلون بذلك تدريجيًا وبقدر ما تسمح به البنية الاقتصادية.
في ضوء ذلك، يمكن فهم كل من الاستعمار والشيوعية باعتبارهما تجليات مختلفة لمشروع ليبرالي مشترك، يتبنّى فكرة التقدّم على أساس تقني-اقتصادي وقانوني، ويستخدم أدوات سلطوية واقتصادية لتحقيق هذا المشروع، مع اختلافات في الدرجة وليس في الجوهر.